سياحة المواقع الأثرية في سوريا: القلاع التاريخية

 بالرغم من الحروب التي طالت سوريا من كل حدب و صوب، والدمار الهائل الذي سببته لمعالمها الحضارية والأثرية والسياحية، إلا أن سوريا كانت و مازالت إحدى أغنى الدول بالمناطق السياحية والتاريخية المهمة وذلك لتعاقب الحضارات الكثيرة على أرضها وتنوّع الشعوب التي سكنت فيها. تختلف المعالم الأثرية في سورية من القلاع إلى التلال الأثرية إلى المتاحف والأسواق القديمة التي لا تزال حتى يومنا هذا مركزاً تجارياً لا غنى عنه في المجتمع المحلي.

قلعة دمشق

بدءاً من العاصمة دمشق، لعلّ أهم المعالم الأثرية فيها هي قلعة دمشق التي تمثل جزءاً لا يتجزأ من أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ وتعدّ إحدى النقاط الرئيسية لبدء رحلة سياحية أثرية غنية في دمشق. تم تشييدها في العصور الوسطى وهي تمثل إحدى أهم معالم فن العمارة العسكرية والإسلامية، ولها مكانها الخاص في قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي. يميّز قلعة دمشق وجود خندق محيط بها عرضه 20 متر تقريباً. عاصرت هذه القلعة العديد من الحضارات من عصر السلاجقة حتى حكم صلاح الدين الأيوبي مروراً بعصر المماليك والانتداب الفرنسي لاحقاً.

 قلعة حلب الشهباء

بالانتقال إلى شمال سوريا، نصل للعاصمة التجارية للبلاد، حلب الشهباء بقلعتها الغنية عن التعريف. حيث تعدّ قلعة حلب أكبر وأهم القلاع في العالم والتي تحتل مكانتها الخاصة في لائحة مواقع التراث العالمي. تعتلي هضبة عالية بعض الشيء وسط المدينة القديمة بحيث تطل على جميع مشارف المدينة. يحيط بها سور دائري الشكل، وتشمل بداخلها على العديد من الآثار الرومانية ذات القيمة الدينية في العديد من الديانات السماوية. إذا أردت أن تتعرف إلى جمال هذه القلعة ، فعليك أن تتوغل في داخلها و تتعرف عليها عن كثب، مدخلها الرئيسي عبارة عن درج ضخم مقام على قناطر، وعند الوصول إلى الباب الكبير والأساسيّ للبناء الداخلي سترى أقسامها التي تضم دهاليز و قاعات للذخيرة و الدفاع.

عند الصعود للقسم العلوي، سترى قاعة العرش التي تضم الكثير من الزخارف الفريدة و الغرف و القاعات الفرعية، ولا ننسى النوافذ الصغيرة المتعددة التي تطل على حلب القديمة . وستجد هذه المقولة مكتوبة على باب قاعة العرش:

" لصاحب هذا القصر عزّ ودولة وكل الورى في حسنه يتعجب

بني في زمان العدل بالجود والتقى محاسنه فاقت جميع الغرائب."

 قلعة صلاح الدين الأيوبي

عند زيارتك الساحل السوريّ وبالتحديد مدينة اللاذقية وريفها الفريد من نوعه، لا بدّ لك من زيارة المعالم التاريخية والأثرية فيها مثل قلعة صلاح الدين الأيوبي والتي تتميز بشموليتها وضخامة وهول بنائها، ولعلّ من أكثر مميزات الفن المعماري لهذه القلعة هي الأشكال المثلثية النادرة التي تنتشر في أقسامها وتعدّ هذه القلعة صرحاً تاريخياً عظيماً تقشعرّ له الأبدان. يحيط بهذه القلعة خندق للحماية من الغزوات والمستعمرين، وتضم في داخلها مجمعاً سكنياَ ضخماً يضم بداخله حماماتٍ وغرف استقبال وتماثل قلعة حلب من حيث الفن المعماري. تحتوي قلعة صلاح الدين الأيوبي على فسحتين: فسحة عليا وفيها برج استقبال إضافة إلى حمامين وجامع، أما الفسحة السفلى فيحيط بها سور للحماية وبناء برجيّ ببوابة.

قلعة المرقب

بمتابعة الحديث عن الساحل سنتوجه إلى محافظة طرطوس، وبالتحديد مدينة بانياس التي تحتضن قلعة المرقب بإطلالتها الخلابة على أكبر قسم من الساحل السوريّ، بدءاً من جبال اللاذقية في الشمال مروراً بسهلها وريف بانياس حتى مشارف طرطوس. يحيط بها غابات وطبيعة خلابة إضافة لسلسلة جبال تعدّ حصناً منيعاً وطبيعياً لهذه القلعة ضد المحتلين والغزاة. وتشبه قلعة حلب من حيث ضخامة عمرانها والخندق الكبير الذي يحيط بها إضافة للدرج الطويل والضخم الذي يؤدي لمدخلها الرئيسي.

 

قلعة الحصن

إذا أردت أن ترى أسس الهندسة العسكرية الفريدة و المواقع الاستراتيجية الرائعة ، ف عليك أن تتوجه إلى سلاسل الجبال الساحلية القريبة من مدينة حمص. يعود تاريخ هذه القلعة إلى زمن الحروب الصليبية وتعدّ إحدى أهم قلاع العصور الوسطى. تتالت عليها الحضارات والشعوب المختلفة وبقيت حصناً شامخاً ذو بناء فريد من نوعه. كانت تسمى بـ "حصن الأكراد" الذين سكنوها سابقاً وطُرِدوا منها على إثر السيطرة الإفرنجية عليها. وحاول الكثير من الغزاة والمعتدين السيطرة عليها لموقعها الجغرافي والعسكري المميز، لكنها بقيت صامدة ضد كل المحاولات. وقد تم إدراجها على لائحة التراث العالمي لأنها إرث حضاريّ وإنسانيّ فريد من نوعه. ولا تزال مقصداً رئيسياً ومهماً جداً للسياح بسبب التنوع الكبير في فن عمارتها وأهميتها الدينية إضافة لتاريخها العريق، الأمور التي تجعل منها معلماً متكاملاً من الحضارة يستحق التوثيق والزيارة.

 قلعة فخر الدين المعني

وهي قلعة تدمر أو قلعة ابن معن، وهي من أبرز المعالم السياحية التاريخية في مدينة تدمر السورية. عند النظر إليها من بعيد سيدهشك مشهد هذا الصرح التاريخي الأثري الذي يقع على أعلى جبال تدمر بارتفاع 150 متر ويطل على مدينة تدمر وواحتها ويحيط بها خندق مائي منع الغزاة من مهاجمته.

رغم علوّها وانحدار أطراف بنائها إلا أنها تتميّز بعمرانها المتكامل والقوي. لها مدخل وحيد يتمثل بالجسر المشيّد فوق الخندق على دعامات قوية ومتينة، الأمر الذي حدّ من وصول الأعداء إليها أو اقتحامها.

قلعة جعبر 

تتميز محافظة الرقة بغناها بالأماكن الأثرية السياحية، خاصة لوقوعها على الحدود بين العراق وسوريا مما أغناها بتعاقب الحضارات على أرضها وميّز معالمها الأثرية بتنوّع طابعها العمراني. ومن أهم هذه المواقع التاريخية هي قلعة جعبر والتي تعدّ إحدى أهم وأشهر الأماكن الأثرية في سوريا. تتوضع هذه القلعة على هضبة بيضوية الشكل تشرف على بحيرة الأسد، يلف حولها سوران يشملان على ما يزيد عن خمسة وثلاثين برجا مختلفة الاشكال منها مضلع و منها نصف دائري.

عند دخولك إليها ، ستعبر نفقاً محفوراً في الصخر مما يضفي عليها الطابع الأثري المميز والقديم، كما ستجد في داخلها مجموعات سكنية و مرافق عامة و أماكن جميلة للغاية من تمازج الطبيعة والصخر مع المجهود البشري للحضارات والشعوب القديمة لبناء مثل هذا الصرح الأثري المذهل .

قلعة حماة

تعد قلعة حماة الواقعة في قلب مدينة حماة من الأماكن التي شهدت عراقة وأصالة لا مثيل لها، ويحيط بها خندق، كما غيرها من قلاع المنطقة. تملأ مياه نهر العاصي هذا الخندق مما كان يزيد من قوة هذه القلعة ويحميها من الغزوات وهجمات الأعداء. تجد أعلى الخندق عدداً من الجسور المزينة على الجوانب بتمثال أسد و مذبح من حجر البازلت إضافة للعديد من التحف و التماثيل الرائعة التي تم نقلها لاحقاً لمتاحف حماة وحلب.

في النهاية، ليس من الغريب على بلد مثل سوريا ذو تاريخ عريق وموغل في القدم أن يكون غنياً بالمواقع الأثرية والقلاع التاريخية المنتشرة على أرضها فلطالما كانت هذه البلاد مهداً للحضارات والشعوب القديمة. وللتعرف على بقية المواقع السياحية في سوريا يمكنك قراءة مقالنا عن السياحة الطبيعية في سوريا أو التعرف على السياحة في أهم المدن السورية.